أحمد العبدالله
صدّام حسين لأمير الكويت؛غدًا سننتقم لك من إيران(١-٤)
يوم 25-5-1985, وخلال مرور شيخ الكويت(جابر الصباح)بموكبه في شارع الخليج العربي في طريقه للقصر الأميري, وهو شارع يفترض أن يكون مؤمّنًا, لأن الأمير يسلكه يوميًّا؛ذهابًا وإيابًا, اعترضت الموكب سيارة مفخخة يقودها انتحاري واصطدمت بإحدى سيارات الحماية, وحدث انفجار هائل, ولكن شاءت الأقدار أن ينجو(يابر)من موت محقق وأصيب بجروح بسيطة. وقد ظهر زائغ النظرات وبحالة يُرثى لها وبدون عقال وهو يلقي كلمة مسجّلة قصيرة لم تتجاوز الدقيقة وبضع ثوانِ من المستشفى الذي رقد فيه لساعات, ويبدو عليه إنه لم يستفق بعد من هول الصدمة وقوة الانفجار والعصف الناتج عنه, وهو أمر لم يسبق للأمير أن مرَّ بشيء منه, أو دونه!!.
وليس هذا الحادث هو الأول من أعمال التخريب والتفجيرات والاغتيالات وخطف الطائرات واستهداف السفارات الكويتية طيلة عقد الثمانينات, فقد اعتبر الإيرانيون الكويت والسعودية ودويلات الخليج الباقية, هي المرحلة الثانية في مخططهم, فيما لو تمكنوا من احتلال العراق. وليس ببعيد تصريح(رفسنجاني)بعد احتلال الفاو في شباط 1986, وهو(يبشّر)الكويتيّين بأن حدودهم معهم صارت الآن في البرّ وليس في البحر فقط!!. ولكنه يُعدُّ العمل الأخطر, إذ إن استهداف الحاكم في أي دولة, باعتباره رمزًا للسيادة, تترتب عليه نتائج وخيمة. فشرارة الحرب العالمية الأولى مثلًا,(ولّعت)بسبب اغتيال ولي عهد النمسا.
كان الانتحاري ومن أعانه في فعله وأشرف وخطط على العملية من أعضاء حزب الدعوة الفارسي من شيعة العراق ولبنان والذين وجدوا في الكويت قاعدة آمنة لهم, وفّرته لهم جالية إيرانية ذات سطوة وقدرة مالية وتدين بالولاء المطلق لأسيادها في طهران. وكان(مهندس)عملية الاغتيال عضو حزب الدعوة الذي يحمل الجنسية العراقية ومن التبعية الإيرانية, وهو؛(جمال جعفر الإبراهيمي), المعروف بـ(أبو مهدي المهندس)، والذي تم(علسه)من قبل(آية الله ترامب)في 2020. واتّهمت الكويت إيران بالوقوف وراء محاولة الاغتيال, واقتصر(الردّ)الكويتي على هذا الاتهام الخجول, ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران, أو تقدّم حتى شكوى لمجلس الأمن على أقل تقدير. فقد كانت فرائصهم ترتعد أمام الوحش الإيراني المفترس.
كان الرئيس صدّام حسين أول من اتّصل بشيخ الكويت, مهنئًا بسلامته, وشادًّا من أزره, وقال له؛(إن الرد العراقي سيكون ساحقًا, وسنثأر لك من المجرمين وسنلقّنهم درسًا قاسيا. وإن كل صاروخ إيراني سيصيب الكويت سيكون مقابله عشرة صواريخ عراقية تنهمر على رؤوس الفرس). وكان الفعل العراقي أسرع من القول, ففي اليوم التالي مباشرة وعلى مدى 24 ساعة, نفّذت قواتنا الجوية والصاروخية والبرية والبحرية عملية واسعة, سُمّيت بعملية(يوم الكويت), بغارات جوية وقصف صاروخي ومدفعي عنيف استهدف مدنًا ومناطق تحشّد القوات الإيرانية على امتداد جبهة القتال وفي العمق الإيراني.
ولم يتأخر رد الفعل الإيراني على العملية العراقية, فتم ضرب بغداد بصواريخ أرض-أرض, وانهالت قذائف المدفعية والصواريخ الإيرانية على البصرة ومدن وقصبات حدودية أخرى, وطال القصف أيضا مواضعنا الدفاعية على طول جبهة القتال. ودفع العراقيون دماءًا غزيرة وغالية من أبنائهم, نصرةً لشيخ الكويت, والذي كان جزاؤه لنا لاحقًا(جزاء سنمار)!!.
فقد قابل(آل صباح)هذا الإحسان العراقي بالجحود والتآمر وقضم المزيد من أراضينا, واستحوذوا على آبار نفط كانت واقعة ضمن الأراضي العراقية, منتهزين انشغال العراق بصدِّ العدوان الإيراني الفارسي وعدم وجود قوات عراقية لمراقبة الحدود معهم. كما تأخرت زيارة أمير الكويت لبغداد لتقديم التهنئة بالنصر العراقي العظيم على الفرس المجوس, أكثر من عام, حتى جاءت أخيرًا في 23-9-1989, وهي الزيارة الأولى له للعراق منذ حضوره قمة بغداد أواخر عام 1978!!, ولم تحصل إلا بعد حملة في الصحافة العراقية مليئة بالعتب على(الأشقاء في الكويت)!!.
وحرص(جابر)أن تكون الزيارة ضمن جولة خارجية له لعدد من الدول ولم يخصّ بها العراق لوحده!!. ولم يتمخّض عن الزيارة شيئ مهم, فلم يحمل معه مبادرة لترسيم الحدود أو معاونة العراق اقتصاديا وإسقاط الديون الكويتية المترتبة عليه في الأقل. بل إنه حتى أمسك لسانه بتصريح يشفي الغليل يشكر به العراق, رغم الحفاوة العراقية التي أحيط بها, وتقليده وسام الرافدين من قِبل الرئيس صدّام حسين!!.
والغريب إنه بعد توقف الحرب مباشرة في 8-8-1988, سعى الكويتيون حثيثًا لترطيب الأجواء مع الإيرانيين, وكانت الزيارات متبادلة بينهما, وتناسوا ما فعله الفرس معهم وبهم على مدى عقد من الزمن. بل كانوا يحتفون بزيارات المسؤولين الإيرانيين للكويت, ويصدّون صدودا عن زيارات المسؤولين العراقيين!!.
ففي حزيران 1990, قام نائب رئيس الوزراء الدكتور سعدون حمادي بجولة خليجية, كمبعوث خاص من الرئيس صدّام حسين, وبينما هو في مطار الرياض في طريقه للكويت, حيث هي محطته التالية, طلبت منه الحكومة الكويتية, وفي اللحظة الأخيرة, إرجاء زيارته لليوم التالي, رغم إن الزيارة كانت مجدولة سلفًا, بذريعة إن أمير الكويت لديه(ارتباطات مهمة)في اليوم المذكور. وتبيّن لاحقًا إنه كان يستقبل وزير خارجية إيران(علي أصغر ولايتي)!!.
المقال القادم, إن شاء الله, سيكون عن؛ صدّام حسين يعِد العراقيّين؛آن الأوان لنخلع البدلة العسكرية, ونتفرّغ لبناء العراق. وما هي الأسباب التي حالت دون تحقيق هذا الوعد؟.
788 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع